Date : 14 Feb 2025

العبوات الناسفة اليدوية الصنع: إراقة الدماء في مالي وبوركينا فاسو

في مالي وبوركينا فاسو، تُعد العبوات الناسفة اليدوية الصنع السلاح المفضل للجماعات الإرهابية، حيث تقتل المدنيين والجنود على حد سواء وتنشر الرعب.

في 24 يناير 2025، قُتل 4 من رجال الدرك الماليين، من بينهم قائد، في هجوم بعبوة ناسفة يدوية الصنع بالقرب من بلدة كونا في مالي. يسلط هذا الهجوم، الذي أعلنت جماعة دعم الإسلام والمسلمين مسؤوليتها عنه، الضوء على استمرار خطر العبوات الناسفة في منطقتي موبتي وسيغو، على الرغم من الجهود المبذولة لمكافحته. في 22 يناير 2025، في بوركينا فاسو، هاجمت عناصر من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة بلدة سيبا. بعد محاولة فاشلة للاستيلاء على البلدة ومعسكرها، زرع المهاجمون عبوات ناسفة على طول طريق قافلة إمدادات، بهدف نصب كمين للقوات المسلحة البوركينية، وذلك بعد أن فشلت محاولتهم في الاستيلاء على البلدة ومعسكرها. وقد أصبحت العبوات الناسفة هي السلاح المفضل للجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة الساحل.

ما هي العبوة الناسفة؟

الأجهزة المتفجرة المرتجلة هي أجهزة متفجرة محلية الصنع مصنوعة بطريقة غير تقليدية. وهي مرتجلة من مواد بسيطة ومتاحة بسهولة (شحنة متفجرة وشحنة أولية ومفجر ونظام إطلاق ميكانيكي أو إلكتروني)، مما يجعلها سلاحاً هائلاً في النزاعات غير المتكافئة. وتوفر العبوات الناسفة مزايا تكتيكية واستراتيجية حقيقية: فهي توفر تأثير تنكيل دائم بوصفها حارساً للفقراء. تفرض العبوات الناسفة حرب استنزاف. ويمكن أن تتنوع من حيث الحجم والتعقيد والقوة، من الأجهزة الصغيرة المصممة لإصابة أو قتل الأفراد إلى القنابل الكبيرة القادرة على تدمير المركبات أو المباني. وتتسم العبوات الناسفة المرتجلة بخطورة خاصة بسبب قدرتها على الإخفاء والتفجير بشكل غير متوقع، وغالباً ما تكون في مناطق مدنية. وهي لا تميز بين الضحايا المدنيين والعسكريين. لذلك فهي تُستخدم أيضاً لإرهاب السكان وإلحاق الضرر بالخدمات الحكومية والإنسانية. كما أنها تقوض القدرات العسكرية وعمليات إعادة الإعمار، ويمكن أن تمنح المتمردين ميزة استراتيجية طويلة الأمد.

الأنواع المختلفة من العبوات الناسفة اليدوية الصنع

أنواع من العبوات الناسفة المرتجلة عدة، و تتكيف مع حالات وأغراض مختلفة. ومن بين أكثرها شيوعًا العبوات الناسفة المرتجلة ”المشغلة ﺑﻔﻌل الضحية“، والتي تنفجر عندما يتعامل الهدف مع العبوة أو يلامسها أو يقترب منها. ويتم تفعيل العبوات الناسفة المرتجلة التي يتم تشغيلها عن بعد بواسطة مشغل، إما عن طريق الأسلاك أو عن طريق التحكم عن بعد، مما يتيح تفعيلها بدقة وتحكم. وأخيراً، تتم برمجة العبوات الناسفة المرتجلة التي تعمل بالأوامر الزمنية لتنفجر بعد فترة تأجيل محددة مسبقاً، وغالباً ما تستخدم مؤقتاً ميكانيكياً أو إلكترونياً.

عناصر العبوة الناسفة اليدوية الصنع

تحتوي الأجهزة المتفجرة المرتجلة على مكونات كيميائية متفجرة أو حارقة أو سامة. وغالباً ما يتم تجميع الأجهزة المتفجرة المرتجلة من مكونات غير متجانسة. ولا بد من التمييز بين المتفجرات المصنوعة من ذخائر عسكرية (قنبلة يدوية مثلاً) والمتفجرات المنزلية الصنع (”Home Made Explosive“). وتتألف هذه من تجميع غير عسكري وهي الأكثر انتشاراً. تحتوي العبوات المتفجرة المرتجلة المتطورة بشكل أساسي على متفجرات شديدة الانفجار (ذات معدل انتشار عالٍ جداً). ومع ذلك، هناك خطر استخدام مواد كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية سامة في تصنيعها لمضاعفة تأثيرها التدميري أو النفسي. وتتيح هذه الأنواع المختلفة من الأجهزة المتفجرة المرتجلة للجماعات المسلحة التكيف مع المواقف التكتيكية المختلفة، مما يجعل اكتشافها وإبطال مفعولها أمراً معقداً بشكل خاص.

أصل العبوات الناسفة المرتجلة: من العراق إلى أفغانستان

وعلى الرغم من استخدام العبوات الناسفة اليدوية الصنع في صراعات سابقة، إلا أنها اكتسبت سمعة سيئة بشكل خاص خلال حرب العراق عام 2003. ففي مواجهة القوة العسكرية التقليدية للتحالف الغربي، سرعان ما اعتمد المتمردون على العبوات الناسفة كوسيلة للتحايل على هذه الميزة، مما أدى إلى إيقاع خسائر إعلامية مدمرة ومحبطة للمعنويات بتكلفة قليلة. في العراق، غذت المخزونات الكبيرة من الذخائر التي خلفها جيش صدام حسين وراءه موجة من الهجمات العنيفة للغاية بالعبوات الناسفة. ثم انتشرت المعرفة والتقنيات المتعلقة بتصنيع واستخدام العبوات الناسفة إلى مناطق النزاع الأخرى، لا سيما أفغانستان. وبينما كان المتمردون في العراق يستخدمون الذخيرة المستخرجة من العراق بشكل رئيسي، استخدم المتمردون في أفغانستان، حيث كانت الذخيرة ذات العيار الكبير أقل توافرًا، استخدموا بشكل أكبر الأسمدة الكيميائية مثل الأمونيوم ونترات البوتاسيوم.

كما شهدت أفغانستان أيضًا انتشارًا واسعًا لاستخدام العبوات الناسفة اليدوية الصنع، حيث تم زرعها في كل مكان، بما في ذلك المناطق التي نادرًا ما ترتادها القوات الأفغانية، ويُعزى ذلك إلى ضعف شبكة الطرق مقارنة بالعراق. وبينما أدت جهود الولايات المتحدة في مكافحة التمرد إلى تحسين معدلات الكشف عن هذه العبوات وإبطال مفعولها، فضلاً عن تعزيز حماية القوات، فإن ذلك لم يُقضِ على التهديد تمامًا، بل أدى إلى تحويل المخاطر نحو القوات الأفغانية التي أصبحت أكثر عرضة لهذه الهجمات.

وفي هذا السياق، لعبت التجربة العراقية دورًا محوريًا في تطوير تقنيات استخدام العبوات الناسفة في أفغانستان، حيث تمكن المسلحون من التكيف مع التحديات التي تفرضها القوات التقليدية، مستفيدين من الخبرات المكتسبة في العراق. وقد انعكست فعالية هذه التكتيكات بوضوح، إذ تشير الإحصائيات إلى أنه في عام 2011، كان أكثر من نصف جميع الإصابات في صفوف قوات الناتو في أفغانستان ناجمًا عن العبوات الناسفة المرتجلة، مما يدل على تأثيرها التكتيكي الكبير.

وخارج أفغانistan، استمر انتشار هذه العبوات في مناطق نزاع أخرى، حيث استُخدمت على نطاق واسع خلال الحرب السورية العراقية، مما عزز مكانتها كأداة رئيسية في الحروب غير النظامية. ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة "هانديكاب الدولية" نُشر في عام 2021، فإن شخصًا واحدًا من بين كل أربعة أشخاص في العراق معرض لخطر هذه المتفجرات، مما يعكس حجم المشكلة هناك. وبالمثل، يشير التقرير إلى أن مالي شهدت "زيادة كبيرة في الحوادث" الناجمة عن هذا النوع من العبوات، مما يبرز انتقال هذا التهديد إلى منطقة الساحل الإفريقي.

استخدام العبوات الناسفة بدائية الصنع في منطقة الساحل الأفريقي

منذ عام 2013، أصبحت العبوات الناسفة المرتجلة السلاح المفضل للجماعات المسلحة العاملة في منطقة الساحل. وخلال العامين الماضيين، استمر هذا الاستخدام، لا سيما في كلٍّ من بوركينا فاسو ومالي، حيث باتت هذه المتفجرات تشكل تهديدًا متزايدًا.

ووفقًا لتقرير مرصد الألغام الأرضية، فقد شهدت مالي تلوثًا بالألغام المضادة للمركبات منذ عام 2017، مع تزايد استخدام الألغام المرتجلة التي تعمل بالضغط. أما في بوركينا فاسو، فالوضع لا يختلف كثيرًا، إذ تصاعد استخدام هذه العبوات منذ عام 2018، خاصة في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد.

وتُعدّ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التابعة لتنظيم القاعدة، من أبرز الجهات التي تلجأ إلى هذه التكتيكات، حيث تستخدم العبوات الناسفة لتعطيل أمن محاور الطرق الاستراتيجية. وغالبًا ما تُزرع هذه العبوات على جوانب الطرقات، مستهدفةً تدمير المركبات العسكرية والمدنية على حد سواء، مما يجعلها أداة فعالة للجماعات الإرهابية في نشر الرعب وإرباك حركة التنقل.

وفي هذا السياق، تُعتبر المركبات المدرعة التابعة للقوات العسكرية المحلية، وكذلك عناصر مجموعة فاغنر الروسية في مالي، من بين الأهداف الرئيسية لهذه الهجمات. ففي 11 يونيو 2024، استهدفت عبوة ناسفة زرعتها كتيبة ماسينا دوريةً تابعةً لمجموعة فاغنر في بلدة كيباني المالية، مما أسفر عن مقتل اثنين من المرتزقة الروس وإصابة 11 آخرين.

وعمومًا، تُعدّ المناطق الأكثر تضررًا من هذه الهجمات هي موبتي وكوليكورو في مالي، بالإضافة إلى منطقة حلقة موهون في بوركينا فاسو، حيث تستمر هذه العبوات في تشكيل تهديد دائم للاستقرار والأمن في المنطقة.

إعادة إدخال الخبرة العملية القادمة من الشرق الأوسط

في الأشهر الأخيرة، لاحظ بعض المراقبين عودة ظهور الأساليب المتعلقة بالعبوات الناسفة على نطاق واسع في منطقة الساحل، مما يشير إلى تطور نوعي في تكتيكات الجماعات الإرهابية المسلحة. ويبدو أن هذا التطور مرتبط بانضمام متخصصين من الشرق الأوسط، يُعرفون باسم "صانعي العبوات الناسفة"، إلى صفوف جماعات مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى.

وقد جلب هؤلاء الخبراء معهم تقنيات متطورة عزّزت بشكل كبير من فعالية الهجمات وزادت من فتكها. وكان من أبرز الأمثلة على ذلك، الهجوم الذي وقع في نهاية يوليو 2024، عندما تم توظيف هذه الخبرة المتقدمة لعرقلة قافلة لمجموعة فاغنر أثناء توجهها إلى تينزاواتين.

وقد شكّلت معركة تينزاواتين، التي جرت بين 25 و27 يوليو 2024، دليلًا واضحًا على هذا التحول في التكتيكات. فقد اندلعت المواجهات بين متمردي الإطار الاستراتيجي للدفاع عن شعب أزواد من جهة، والقوات المسلحة المالية مدعومة بعناصر مجموعة فاغنر من جهة أخرى. وأسفرت هذه المعركة عن هزيمة كبيرة للقوات المالية وحلفائها، حيث بلغت الخسائر ذروتها بتدمير عدة مركبات وسقوط أعداد كبيرة من القتلى.

ووفقًا للتقارير، فقد لقي 84 مرتزقًا روسيًا و47 جنديًا ماليًا مصرعهم خلال هذه المواجهات، وكان لاستخدام العبوات الناسفة المتطورة دورٌ حاسم في إلحاق هذه الخسائر، مما يعكس التأثير الكبير لهذا المعرفة المُعاد إدخالها على مسار الصراع في منطقة الساحل.